يعتقد الكثير أن انتشار نوع من الفن كفن الكارتون في الكويت إنها ثقافة دخيلة على الفن الخليجي ”الأصيل“ لأنه يخلو من خطوط السدو المتوازية والألوان الصحراوية والبيوت الشعرية التي اعتدنا عليها. فالبعض يرى أن فن الكارتون كرسم مخصص للأطفال فقط، ولعل الناجين من هذا الحكم هم رسامين الكاريكتير بنقدهم لمواضيع يتكلم بها الكبار فقط.
في رأيي، إن فن الكارتون، وخصوصا رسوم الكوميكس والمانغا هي فنون ليست بحديثة ولكننا غير معتادين عليها في ثقافتنا لعدة أسباب.
إن الكوميكس والمانغا هي فنون تحاكي أقدم العادات التي تمثل ثقافة المجتمع وتعكسه في صورة غير متصنعة. إن فن رواية القصص يرجع تاريخه إلى العصور القديمة، منذ أيام رسوم الكهف التي وجدت في أفريقيا والتي يرجع تاريخها إلى ٣٠ ألف سنة. ولعل الأقرب إلى حضارتنا هي الألواح الحائطية التي وجدت في قصر آشوري في العراق والذي يرجع تاريخها إلى سنة ٨٥٠ قبل الميلاد و تحاكي قصة علاقة الملك والمخلوقات الأسطورية وغيرها من الأسطول الذي يحمي الملك والمملكة من الأعداء. يأتي شكل هذه الألواح الحائطية كشكل شريط الكوميكس المعروف لدينا في يومنا هذا. وهناك غيرها من المنحوتات الصينية واليابانية التي اكتشف العلماء أن تم استخدامها كوسيلة لرواية قصص تتمثل في نمط التفكير السياسي والاجتماعي لبعض الشخصيات المهمة في ذلك العصر.
تبين هذه الأمثلة أهمية فن الرسم في رواية القصص وتعدد الأساليب والمواضيع في تشكيل هذه القصص وطريقة روايتها. وهنا يأتي دور الفنان وهو عكس صورة للمجتمع كما يراها من وجهة نظره. ويتبين الاختلاف بين كتابة الرواية بشكلها الاعتيادي مقارنة برسم وكتابة قصة في آن واحد أن الرسم يعكس لغة قوية التعبير—لغة مرئية. فالرواية تتمجد بإعطاء دور الرسام للقارئ نفسه فهو يرسم بمخيلته ما يقرأه في الكتب، أما القصص والروايات المصورة فتعطينا الخيال متجسداً من وجهة نظر الكاتب، فنستطيع أن نرى الأشياء من منظور جديد يختلف عما في مخيلتنا وهذا يفتح المجال لنوع جديد من الأفكار والألوان والأشكال والناتج الكلي من ما يتعلمه الفنان من الثقافة المحيطة به من المجتمع والأفراد.
هذه هي الأهمية العظمى للكتب المصورة، فالدور التي تلعبه هذه الكتب يدخل في الجانب الثقافي، فنحن لا نستطيع تجاهل فكرة وجود أشخاص -في أي نوع من المجتمعات- هؤلاء الذين يريدون رواية قصصهم للآخرين، سواء كانت من وحي الخيال أو لأ، فكلها تتمثل بعملية جمع العوامل وتشكيلها للحصول على معنى يتمثل في قضية. لا نستطيع أن نتجاهل أن هناك أشخاص تفكر وتبدع من أجل أن تعبر عن آرائها في ما يدور حولها، فنحن لا نروي أو نقرأ قصة للاستمتاع فقط وتضييع الوقت، فلكل كتاب تجربة فريدة تعطينا أشياء وتأخذ منا أشياء أخرى .